الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مع وقف التنفيذ دعاء عبد الرحمن

انت في الصفحة 40 من 66 صفحات

موقع أيام نيوز


غريبا فطوبى للغرباء
نظر لها وأطل الأسى من عينيه قائلا
أحنا بقينا غرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة 

قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال 
ناوى أدشدشهم طبعا
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة 
أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلا
فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده !
طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبه ويأخذ هاتفه واتجه خارج مكتبة .. أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فالټفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مطرقا برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس
أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسه أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس مليا وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحه الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبدا على العكس تماما

وجهه فيه من البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعره أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعله يتوتر أكثر ويسهل استدراجه وقاطعا عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة 
أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!
رفع هانى رأسه بحذر ناظرا إلى فارس الذى مال للأمام مقتحما عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحاډث رأى العين وأردف قائلا بثقة 
كانت بتهددك كنت هتعمل أيه يعنى غير كده
حدق هانى فيه مندهشا وقال متعجبا 
عرفت ازاى أنها كانت بتهددنى !
قال فارس بهدوء وتركيز 
أحكيلى كل حاجة وانا هقولك عرفت ازاى
نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى اضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثما 
زى ما انت قلت مكنش فى أيدى حل تانى.. كانت عمالة تهددنى أنها تفضحنى فى كل حتة وتقول لابويا وانا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير مني الشغلانة اللى كنت بحلم بيها طول عمرى..
ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلا 
صدقنى أنا عمرى ما كنت احلم انى اعمل فيها كده.. بس هى اللى اضطرتنى ..
ډفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول
أنا مكنش قصدى اموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص.. مكنتش اعرف انها ھتموت
سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئا وقال 
أهدى بس يا
هانى أهدى .. أنا فاهمك طبعا بس انت أيه اللى خلاك من الأول تعرف الاشكال دى يا أخى
جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه أول مرة يعترف بها بما فعل وقال 
كانت زميلتى فى الكلية وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمة معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصورة كده
أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنة أكتر معايا ...
فى الأول كانت بتحاسب أوى على كل لمسة بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبرة علاقتنا رسمية .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها ..
ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلا 
لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا ..
أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول
مفكرتش ..معرفتش أفكر فى حاجة غير أنى اخلص من تهدديها بس.. مكنتش اقصد صدقنى
أغمض فارس عينيه پألم وقد تيقن من أدانته ..ها هو يتجسد أمامه مثالا لعقد الحړام عندما يقطع فتنفرط حباته حبة تلو الأخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها.
تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال 
علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده
رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة 
اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحاډثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت اقول الحقيقة .. خفت يعدمونى
أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلا
ومخفتش من ربنا ! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين ټموت عادى فى بيتك
ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول 
هتروحله ازاى وانت هاتك عرض واحدة ومش هى عايشة وبس لاء وهى مېتة كمان
حدق فيه هانى فزعا وهو يقول منتفضا 
وهى مېتة يعنى أيه
يعنى أهلها وصحابها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفوا دلوقتى انها ماټت وهى حامل وهى مش متجوزة .. يعنى عرضها اتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى مېتة .. و بسببك انت
بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحا 
أنا تبت لربنا تبت وندمت وربنا هيقبل توبتى انا متأكد
وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول 
ممكن ربنا يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها ..على الأقل خالص انك تعترف بغلطك وتتقبل العقۏبة بشجاعة.. مش تنكر وتقول توبت
دفع هانى يد فارس حانقا وقال 
أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى
هز فارس رأسه أسفا وهو يقول 
يابنى أنا بنصحك لوجه الله علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف
قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف .. فتح الباب وخرج وتركه وحيدا يشعر بظلام قلبه وروحه الآثمة الملوثة ..والمعذبة
بينما كانت أم فارس منشغلة فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقا خفيفا على باب الشقة فتركت ما فى يدها واتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر إلى مهرة التى وقفت على استحياء مطرقة برأسها وقالت 
أهلا يا

مهرة يا حبيبتى اتفضلى
قالت مهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة 
معلش يا طنط مش هقدر أدخل ..
ثم ترددت قبل أن تقول 
أنا بس كنت عاوزه اسأل على حاجة وهمشى على طول
جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول 
تعالى مفيش حد هنا غيرى
دخلت مهرة وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحدة وقالت بخجل 
معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد ..
قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ 
طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى انت عايزاه أحسن الأكل هيتحرق
وضعت مهرة حقيبتها جانبا على المقعد المجاور للباب وتبعتها إلى المطبخ ..وقفت مهرة بجوارها تنظر إليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الأرز مساعدة لها ثم قال 
فى حاجة يا طنط عاوزه اسألك عليها بس خاېفة تقلقى
ألتفتت إليها أم فارس باهتمام وقالت 
خير يا بنتى فى أيه
ظهرعلى وجهها الأضطراب والتوتر وهى تقول 
بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مڤزوعة
عقدت أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم إلى الإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت 
بتشوفى أيه فى الكوابيس دى
أضافت مهرة مرقة اللحم إلى الإرز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيدا والتفتت إليها قائلة 
مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مرة ..مرة الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم
وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ بالله وهو مش هيضره
قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلا وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة أبتسمت وهى تتناوله وقالت 
مكنتش متخيلة انى هلاقيه
أطلت نظرات الإشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان 
حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها
لمعت عينيى مهرة بدمعة قاتلت لإخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه الباردة وما أن انتهت حتى قالت لها أم فارس 
كنت عاوزه تسألينى على أيه يا مهرة
وضعت مهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت 
الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط .. هو الدكتور فارس عنده مشكلة ولا حاجة 
توترت وهى تردف 
انا والله مش بدخل فى خصوصياته.. بس انا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل
هزت أم فارس رأسها نفيا وهى تقول مطمئنة 
محكاش ليا حاجة خالص لو فى مشكلة كان أكيد حكالى ..أطمنى
قالت مهرة وهى تومىء برأسها قلقة 
يارب يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك.. أمشى انا بقى علشان عندى مذاكره كتير
كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول 
أستنى صحيح ..عاملة أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص
شعرت مهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق 
تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا
عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الإرهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد احمرت وجنتاها خجلا للقاءه فى بيته نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفا مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة إلى قلبه تناولت حقيبتها بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت 
أزيك يا دكتور
لم يتنحى جانبا لتخرج إنما ظل واقفا مكانه .. لا يعلم لماذا
تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال 
أزيك انت يا مهرة .. عاملة أيه
تحشرج صوتها وهى تتمتم 
الحمد لله
كانت تتوقع أن يتحرك جانبا ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظه من غفوته وقالت 
عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها
ألتفت إلى والدته محدقا بها وكأنه لم يراها إلا الآن فقط أغمض عينيه وفتحهما ببطء ثم تنحى جانبا لتمر من أمامه وتحت ناظري قلبه الذى يقاتل ليزيل الغمامة التى تعصب عينيه فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره خرجت وأغلقت الباب خلفها مسرعة وصعدت الدرج فرارا ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه .
تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف
 

39  40  41 

انت في الصفحة 40 من 66 صفحات